كما ينتظر الجميع عيد رأس السنة هكذا انتظرته أنا أيضا. هناك شعوربواجب البهجة يتسلل إلي ولا أراني اجتهد اصطناعه. لماذا؟ لست ادري. ولكني هكذا اعتدت دوماً استقبال المناسبة. أنا بصحبة احب الناس إلى قلبي هذه الليلة ولكن ما الفرق فأنا بصحبتهم كل ليلة أو على الأقل هكذا يمكنني أن اختار. صخب الموسيقى الذي يلغي كما يحلو له الحضور من حولي ويتقاذفني بين حنين من الأمس وأشواق في الغد خلافاً لأي وقت آخر اسمح له هذا المساء أن يجرفني طرباً أو ترنحاً. لماذا؟ لماذا الكل في هجمة باسمة على هذه الساعات القلائل المتبقية من عام منصرم التي أيا يكن سحرها فهي تطويب انتهائها عاماً كاملاً ويخسر الكل سنة من العمر لا يمكن استرجاع أي من لحظاتها إلا استذكاراً إن يكن في لحظاتها ما يستحق الاستذكار؟
استوقفتني ليلة رأس السنة واستوقفني أول يوم في سنة جديدة عدت فيهإلى مكتبي أردت استبدال رزنامتي فجمعت أوراقها من بين دبوسين ورميتها في سلة مهملات قربي فتبعثرت في تلك الهوة الباردة كثيرة، كثيرة وفي الغالب كانت لا تزال بيضاء لا ذاكرة لها. ودون كثير من التفكير رأيتني الملم تلك الأوراق جميعاً ثلاثمائة وخمسة وستين واضعها أمامي متأملة. كبيرة هذه الكمية من العمر ماذا تراني فعلت خلالها؟ ماذا تراني دونت أو ماذا تراني أنجزت؟ اجتماع عمل فاجتماع ثم اجتماع، غداءعمل ثم غداء عمل فغداء، موعد مع طبيب، مقابلة... ليس لأي منها صدى في نفسي أو مكانفي ذاكرتي.
كم من السنين مرت هكذا وكم من السنين يمكن أن تمر واعظم إنجازاتي يكمن في استهلاك الزمن والاقتراب اكثر واكثر من مرحلة العد العكسي؟ حتىولو لم يكن قدري من الحياة حقاً أن أكون إنسان عادي كغيري من ملايين البشر وتمكنت من إهداء البشرية إنجازا علمياً أو اختراعاً هل كنت اكتفيت؟ أو حتى لو تمكنت منبلوغ منصب ما هو ارفعه؟ أو تحصيل ثروة ما هي أكبرها؟ هل كنت شعرت بنشوة الإنجاز؟ولأول مرة وجدتني جادة في بحثي عن تعريف لمفهومي للإنجاز. الإنجاز الذي يمكن معها لابتهاج بعام مضى وخوض عام جديد دون الانزلاق ولو للحظة واحدة في إحساس الخسارةوالخيبة والخوف من الآتي. ولم اقدر أن ابحث عن مثل هذا الإنجاز خارج دائرة ذاتي.فما ابحث عنه لا بد أن يبدأ عندي و يسكنني. انه الإنجاز الذي يجب أن يرافقني ولايكتمل باكتمال دورة حياتي. إنجاز لا تسلبني إياه الأيام ولا اتركه ورائي. أود أنأنجز دوري في مخطط الله الأشمل لحياتي أود لكل ما فيها أن يدور في فلك غايته مناخذ الوقت لإيجادي وإعطائي فرصة العبور في هذه الأرض. لا يمكن أن أكون محض صدفة فيعيني الله ولست مجرد رقم يضاف إلى عدد سكان الأرض أو يسقط منها دون هدف إلا العبوركما تعبر المواسم . ولا يمكن لأيامي عظمت إنجازاتي في العالم أو صغرت أن تكون مجرد حبر على أوراق رزنامة. لان "أيام سنينا تقرض سريعاً فنطير" مزامير 90 : 10 أود أنيكون إنجازي الأول أن اقف عن يمين الراعي فيقول لي مع كل الذين عرفوا أن يتحَدوا بمشيئته في حياتهم" تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العال ملأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً فآويتموني. عرياناً فكسوتموني.مريضاً فزرتموني. محبوساً فآتيتم إلي" متى 25 : 35